الخدمة والرعاية الاجتماعية في المغرب الأقصى: النشأة، التطور، والمؤسسات
مقدمة: تعد الرعاية الاجتماعية إحدى الركائز الأساسية في بناء المجتمعات الحديثة، وقد عرفت المجتمعات الإسلامية - ومنها المغرب الأقصى - صورًا مبكرة ومتعددة من هذه الرعاية، تجاوزت المفهوم الإداري البحت لتلامس روح التكافل المجتمعي المستمد من التعاليم الإسلامية.
1. المفهوم العام للخدمة والرعاية والمساعدة الاجتماعية
تُستخدم مصطلحات "الخدمة الاجتماعية"، "الرعاية الاجتماعية"، و"المساعدة الاجتماعية" غالبًا كمترادفات، إلا أن بينها فروقًا دقيقة:
- الرعاية الاجتماعية هي المفهوم الأشمل، وتشير إلى كل الجهود الرسمية أو غير الرسمية التي تهدف إلى تأمين احتياجات الأفراد الأساسية وتعزيز رفاههم، سواء كانت طبية أو تعليمية أو نفسية.
- الخدمة الاجتماعية تشير إلى الممارسة المهنية التي يقدمها أخصائيون اجتماعيون، ويكون هدفها تحسين الأداء الاجتماعي للأفراد والجماعات من خلال تدخل مباشر وممنهج.
- المساعدة الاجتماعية هي تقديم دعم مادي أو عيني مباشر للفئات الهشة، وغالبًا ما تُرتبط بالإعانات أو البرامج الحكومية لتخفيف الفقر.
إذن، فالرعاية تشمل الخدمة والمساعدة، لكنها أكثر شمولًا من حيث الأبعاد النفسية والحقوقية والتنموية.
2. تطور الرعاية الاجتماعية في المغرب الأقصى
في المغرب الأقصى، اتخذت الرعاية الاجتماعية في البداية طابعًا دينيًا ووقفيا. ومن أبرز أشكالها:
- دور الأوقاف في تمويل العناية بالمرضى، وتعليم الأيتام، وإيواء الفقراء.
- ظهور الزوايا كمؤسسات تعليمية وخيرية تقوم بدور اجتماعي واقتصادي مهم، مثل الزاوية الناصرية وزاوية الدلائيين.
- اهتمام المخزن التقليدي بمؤسسات العناية بالفئات الهشة، خصوصًا في فترات المجاعة أو الكوارث الطبيعية.
وقد شهدت بداية القرن العشرين تحولًا تدريجيًا نحو نمط الرعاية الحديثة، خاصة في عهد الحماية الفرنسية، حيث بدأت الدولة تتدخل بشكل مباشر عبر إنشاء مؤسسات اجتماعية وهيئات تنظيمية.
3. المؤسسات الحديثة للرعاية الاجتماعية
- وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة: تشرف على التخطيط وتنفيذ السياسات الاجتماعية.
- المؤسسة المحمدية لإدماج الفئات الهشة: تهدف إلى تعزيز تكافؤ الفرص.
- مؤسسة محمد الخامس للتضامن: من أبرز المبادرات الملكية لدعم العمل الخيري والاجتماعي.
- المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: مشروع وطني انطلق سنة 2005 لتحسين مؤشرات التنمية والعدالة الاجتماعية.
4. الإشكالات والتحديات الراهنة
رغم تعدد المؤسسات، لا تزال التحديات قائمة، أهمها: ضعف التنسيق بين الفاعلين، التركيز على الجوانب الإحسانية أكثر من التمكين، الحاجة إلى استهداف أفضل للفئات المستحقة، وندرة التأطير السوسيولوجي للمشاريع.
مراجع وإحالات أكاديمية:
- محمد الصديقي، الحماية الاجتماعية بالمغرب: الواقع والرهانات، منشورات مركز الدراسات والأبحاث السوسيولوجية، الرباط، 2019، ص 25-33.
- عبد الإله بلقزيز، الدولة في الفكر العربي المعاصر، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، 2010، ص 177.
- Youssef, Mehdi. Protection sociale au Maroc: Enjeux et perspectives, Revue Marocaine de Sciences Sociales, N°13, 2020, pp. 45-58.
- وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي، تقرير سنوي 2022، الرباط: منشورات الوزارة، ص 7-15.
- Michel, Jean. Les institutions sociales dans le Maghreb précolonial, Éditions de l’École des Hautes Études, Paris, 1987, p. 88-94.
تعليقات
إرسال تعليق
شكر الله لك